فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولذلك قال الحق سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]
وفي حياتنا اليومية هل تقول: إن الذين يربون أبناءنا في الجيش بالشدة، يقسون على الأبناء؟ لا، بل إنهم يعدّونهم لمواجهة المهام الشاقة. وأن يتعوّدوا التزام الأدب والطاعة والانضباط، فكذلك حلل الحق ما أراد وحرم ما شاء ليجعل الكون منضبطًا بقدرة الحكيم القادر، فسبحانه يحرم أشياء مثل المخدرات، ونحن في بعض الأحيان نتناولها لنداوي بها الأمراض، فلو أخذها الإِنسان من غير مرض أو داعٍ فإنّها تسرق الصحة من بنية الإِنسان، وإن أخذها من بعد ذلك للعلاج لا تأتي بالمفعول المطلوب منها. ولذلك نجد من الأطباء من يسأل الإِنسان قبل إجراء الجراحات الدقيقة إن كان المريض قد تناول المخدرات أو لا، وذلك حتى يتعرف الأطباء على حقيقة ما يصلح له من ألوان التخدير.
وسبحانه وتعالى قد منع عنا تلك الألوان من مغيبات العقول، لعلنا نحتاج إليها في لحظة الشدة والمرض.
إذن فالحق سبحانه وتعالى قد ربط كل حكم من الأحكام التحليلية والتحريمية ب {إن كنتم مؤمنين}، ومعنى {إن كنتم مؤمنين} أي يا من آمنتم بالإِله الحكيم الذي لا يأمر إلا بما فيه مصلحتكم، امتنعوا عن مثل تلك الأفعال، وإذا أقبلت على أي شيء مما أحله الله لك فأقبل عليه باسم الله، وسبحانه وتعالى له أسماء علمها لنا، وأنزلها في كتابه، وأسماء علمها لأحد من خلقه، وأسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، وهذه الأسماء هي صفات الكمال لله، التي لا توجد في غيره. وحين نستحضر الاسم الجامع لكل صفات الكمال نقول: باسم الله. وتنهي المسألة. وحين ناقش العلماء مسألة التحريم والتحليل، قال بعضهم: إن الحق سبحانه وتعالى قال في أول سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3]
وهنا في سورة الأنعام يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]
والمتنبهون من العلماء قالوا: إن سورة المائدة مدنية، ومعنى كونها مدنية أنها نزلت بعد السورة المكية، وسورة الأنعام مكية، وهل يقول الحق في السورة المكية {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} في السورة المدنية؟ وبعض العلماء الذين أعطاهم ربنا نور بصيرة قال: لقد فصل لكم في سورة المائدة وجاء أيضًا في سورة الأنعام فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
أي فصل لك في هذه السورة المكية. وقد يأتي واحد من المولعين بالاعتراض أو من خصوم الإسلام ويقول: لم تذكر الآية كل الأشياء المحرمة لماذا؟
ونقول: القرآن هو الخطوط الأساسية في المنهج، وتأتي السنة بالتفصيل في إطار:
{وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا...} [الحشر: 7]
والحق يقول هنا: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ...} [الأنعام: 119]
واضطرار هو أمر ملجئ إلى شيء غير الأسباب الكونية المشروعة. ومعنى كونه مضطرًا أنه يلجأ إلى شيء فقد أسبابه المشروعة كالذي يريد أن يأكل ليستبقي الحياة، فإذا لم يجد من الحل ما يستبقي به الحياة فهو مضطر. ونقول له: خذ من غير ما أحل الله بالقدر الذي يدفع عنك الضرورة فكل من الميتة بقدر الضرورة ولا تشبع.
والحق يقول: {فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ...} [المائدة: 3]
والمخمصة هي المجاعة. إذن فالاضطرار هو شيء فوق الأسباب المشروعة للعمل. والله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان الرخصة في أن يتناول ما حرمه إذا كان مضطرًا. {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ...} [الأنعام: 119]
والذين يضلون بأهوائهم بغير علم هم من أرادوا زراعة الشك في نفوس المسلمين ومعنى الضلال بالهوى أي أن تكون عالما بالقضية، ولكن هواك يعدل بك عن مراد الحق من القضية. ولذلك يصف الحق رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3]
وحين يقول الحق: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِ} فمعنى ذلك أنه يوجد ضلال بغير هوى، وهو عدم وصول الإنسان إلى الحقيقة؛ لأنه لا يعرف الطريق إليها، والضلال بالهوى أي أن تكون عندك الحقيقة وأنت عارف بدورها ولكنك تعدل عنها: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ...} [الأنعام: 119]
وساعة ترى مجيء متعلق بعد {يضلون} وهو قوله: {بِأَهْوَائِهِم} تقول كأن هناك ضلالًا بغير علم، وهو غير مذموم؛ لأن صاحبه لا يعرف الحكم في القضية، وهذا يختلف عن الذي يضل وهو يعرف الحكم، فهذا ضلال بالهوى، وهذا الفهم يحل لنا إشكالات كثيرة أيضًا. و{بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي ليس عندهم علم بالقضية وأحكامها.
ويذيل الحق الآية بقوله: {.. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين} [الأنعام: 119]
وقد أفسح الله في النص القرآني لبعض خلقه الذين يعرفون المهتدى من غير المهتدى، والكثير من الناس لا يعلمون المهتدى من غير المهتدى ولكن إن علموا فالله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ومَا لَكُمْ} مُبْتَدأ وخبر، وقوله: {ألاَّ تَأكُلوا} فيه قولان:
أحدهما: هو حَذْف حَرْف الجرِّ، أى: أيُّ اسْتَقَرَّ في مَنْع الأكْل ممَّا ذكر اسْم اللَّه عليه؛ وهو قول أبي إسْحَاق الزَّجَّاج فلما حُذِفَتْ في جَرَى القولان المَشْهُوران، ولم يذكر الزَّمَخْشَرِيُّ غير هذا الوجه.
الثاني: أنَّها في محل نَصْبٍ على الحالِ، والتَّقْدير: وأيُّ شَيْء لَكُم تَاركين للأكْل، ويؤيِّد ذلك وُقوع الحالِ الصَّريحة في مِثْل التَّركيب كَثِيرًا، نحو: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] إلاَّ أن هذا مَرْدُود بِوَجْهَيْن:
أحدهما: أنَّ أنْ تُخَلِّص الفِعْل للاسْتِقْبَال، فكيف يَقَعُ ما بَعْدَها حالًا؟
والثاني: أنَّها مع ما بعدها مُؤوَّلة بالمصدر، وهو أشْبَه بالمُضْمَرَات كما تقدَّم تحريره، والحال إنَّما تكُون نكرة.
قال أبُو البقاء: إلاَّ أن يُقَدَّر حَذْفُ مُضاف، فَيَجُوز، أي: وما لَكُم ذَوِي ألا تَأكلوا وفي تَكَلُّ، فمفعول {تَأكُلُوا} مَحْذوف بَقِيتْ صفَته، تقديره: شَيْئًا مما ذُكِر اسْمُ اللَّه ويجُوز ألاَ يُراد مَفْعُول، بل المُراد: ومَال لكُم ألا يقع منكم الأكْل، وتكون مِنْ لابْتِدَاء الغَاية، أي: أن لا تَبْتَدِئُوا بالأكْل من المَذْكُور عليه اسم اللَّه، وزُعِم، أنَّ لاَ مَزِيدة، وهذا فَاسِدٌ؛ إذا لا داعِي لِزيَادتها.
قوله: {وقد فصَّل لَكُم ما حرَّم} قرأ ابْنُ كَثِير، وأبُو عَمْرو، وابنُ عَامِر: ببنائهما للمفعُول: ونافع، وحفصٌ عن عاصم: ببنَائِهَما للفاعل، وحمزة، والكسَائِيُّ، وأبُو بكر عن عاصم: ببناء الأوَّل للفاعل، وبناء الثُّانِي للمَفْعُول، ولم يأتي عكس هذه، وقرأ عطيَّة العُوفيُّ كقراءة الأخَويْن، إلاَّ أنَّه خفف الصَّاد من {فَصَّل} والقَائِم مقام الفاعل: هو المَوْصُول، وعائده من قوله: {حرَّم عَلَيْكُم}.
والفَاعِل في قراءة مَنْ بَنَى للفَاعِل ضمير اللَّه تعالى، والجُمْلَة في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ.
قوله: {إلاَّ ما اضْطُرِرْتُم إليه} في الاسْتِثْنَاء وجهان:
أحدهما: أنَّه مُنْقَطِع، قاله ابن عطيَّة والحُوفِي.
والثاني: أنه اسْتِثْنَاء متَّصِل.
قال أبو البقاء: ما في مَوْضِع نَصْبٍ على الاسْتِثْنَاء من الجِنْس من طريق المَعْنى؛ لأنه وبِّخَهُم بترك الأكل مِمَّا سُمِّي عليه، وذلك يَتَضَمّن الإباحة مُطْلَقًا.
قال شهاب الدِّين: الأوَّل أوْضَح والاتِّصال قلق المَعْنَى، ثم قال: وقوله: {وقد فصَّل لَكُم ما حرَّم عليكم} أي: في حَالِ الاخْتِيَار، وذلك حلالٌ حال الاضْطِرارِ.
قوله: {وإنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّون} قرأ الكوفيُّون بضمِّ الياء، وكذا الَّتِي في يُونس: {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ} [الآية: 88] والباقون: بالفَتْح، وسيأتي لذلك نَظَائِر في إبْراهيم وغيرها، والقراءتان واضِحَتَان؛ فإنه يٌقال: ضلَّ في نَفْسَه، وأضَلَّ غيره، فالمَفْعُول مَحْذُوف على قراءة الكُوفيين: وهي أبْلَغ في الذَّمِّ، فإنها تتضَّمن قُبْحَ فِعْلِهم، حَيْث ضلوا في أنْفُسِهِم، وأضَلُّوا غيرهم؛ كقوله تعالى: {وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاءِ السبيل} [المائدة: 77].
قيل المُراد بِه: عمرو بن لُحَيّ فمن دُونه من المشركين الَّذين اتخذوا البَحَائِر والسَّوَائِب وقراءة الفَتح لا تُحوِجُ إلى حذف، فرجَّحها بَعْضُهم بهذا وأيضًا: فإنهم أجْمَعُوا على الفَتْح في ص عند قوله: {إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [26].
وقوله: {بِأهْوَائِهِم} متعلِّق بـ {يَضِلُّونَ} والباءُ سَبَبيَّة، أي: اتِّباعهم أهْواءَهم، وشهواتهم.
وقوله: {بغير عِلْم} متعلِّق بِمَحْذُوف، لأنه حالٌ، أي: يَضِلُّون مُصَاحِبِين للجَهْلِ أي: مُلْتَبِسين بغير علمٍ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (120):

قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان مما يقبل في نفسه في الجملة أن يذكر اسم الله عليه ما يحرم لكونه ملكًا للغير أو فيه شبهة، نهى عنه على وجه يعم غيره، فقال عطفًا على {فكلوا} {وذروا} أي اتركوا على أيّ حالة اتفقت وإن كنتم تظنونها غير صالحة {ظاهر الإثم} أي المعلوم الحرمة من هذا وغيره {وباطنه} من كل ما فيه شبهة من الأقوال والأفعال والعقائد، فإن الله جعل له في القلب علامة، وهو أن يضطرب عنده ولا يسكن كما قال صلى الله عليه وسلم: «والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر». أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه؛ ثم علل ذلك بقوله: {إن الذين يكسبون الإثم} أي ولو بأخفى أنواع الكسب، بما دل عليه تجريد الفعل، وهو الاعتقاد للاسم الشريف.
ولما كان العاقل من خاف من مطلق الجزاء بني للمفعول قوله: {سيجزون} أي بوعد لا خلف فيه {بما} أي بسبب ما {كانوا} بفاسد جبلاتهم {يقترفون} أي يكتسبون اكتسابًا يوجب الفرق وهو أشد الخوف ويزيل الرفق، وصيغة الافتعال للدلالة على أن أفعال الشر إنما تكون بمعالجة من النفس للفطرة الأولى السليمة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين أنه فصل المحرمات أتبعه بما يوجب تركها بالكلية بقوله: {وَذَرُواْ ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} والمراد من الإثم ما يوجب الإثم، وذكروا في ظاهر الإثم وباطنه وجهين: الأول: أن {ظاهر الإثم} الإعلان بالزنا {وَبَاطِنَهُ} الاستسرار به.
قال الضحاك: كان أهل الجاهلية يرون الزنا حلالًا ما كان سرًا، فحرم الله تعالى بهذه الآية السر منه والعلانية.
الثاني: أن هذا النهي عام في جميع المحرمات وهو الأصح، لأن تخصيص اللفظ العام بصورة معينة من غير دليل غير جائز، ثم قيل: المراد ما أعلنتم وما أسررتم، وقيل: ما عملتم وما نويتم.
وقال ابن الأنباري: يريد وذروا الإثم من جميع جهاته كما تقول: ما أخذت من هذا المال قليلًا ولا كثيرًا، تريد ما أخذت منه بوجه من الوجوه، وقال آخرون: معنى الآية النهي عن الإثم مع بيان أنه لا يخرج من كونه إثمًا بسبب إخفائه وكتمانه، ويمكن أن يقال: المراد من قوله: {وَذَرُواْ ظاهر الإثم} النهي عن الإقدام على الإثم، ثم قال: {وَبَاطِنَهُ} ليظهر بذلك أن الداعي له إلى ترك ذلك الإثم خوف الله لا خوف الناس.
وقال آخرون: {ظاهر الإثم} أفعال الجوارح {وَبَاطِنَهُ} أفعال القلوب من الكبر والحسد والعجب وإرادة السوء للمسلمين، ويدخل فيه الاعتقاد والعزم والنظر والظن والتمني واللوم على الخيرات، وبهذا يظهر فساد قول من يقول: إن ما يوجد في القلب لا يؤاخذ به إذا لم يقترن به عمل فإنه تعالى نهى عن كل هذه الأقسام بهذه الآية.
ثم قال تعالى: {إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} ومعنى الاقتراف قد تقدم ذكره.
وظاهر النص يدل على أنه لابد وأن يعاقب المذنب، إلا أن المسلمين أجمعوا على أنه إذا تاب لم يعاقب، وأصحابنا زادوا شرطًا ثانيًا، وهو أنه تعالى قد يعفو عن المذنب فيترك عقابه كما قال الله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{وَذَرُواْ ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} يعني: زنى السر والعلانية لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمون الزنى في العلانية، ولا يرون به بأسًا في السر.
فأخبر الله تعالى أن الزنى حرام في السر والعلانية.
ويقال: ظاهر الإثم وهو الزنى وباطنه القُبْلة واللَّمس والنظر.
وقال الضحاك {ظاهر الإثم} الزنى وباطنه نكاح الأمهات والأخوات وقال قتادة: {ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} يعني: قليله وكثيره.
ويقال: ظاهره ارتكاب المعاصي، وباطنه ترك الفرائض.
ويقال: باطنه الرياء في الأعمال.
ويقال: الكفر ويقال: جميع المعاصي.
{إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم} يقول: يعملون الفواحش ويتكلمون بها {سَيُجْزَوْنَ بِمَا يَقْتَرِفُونَ} سيعاقبون بما كانوا يكسبون من الإثم.
قرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي: وإن كثيرًا ليُضلون بأهوائهم بضم الياء يعني: يضلون الناس.
وقرأ الباقون {لَّيُضِلُّونَ} بنصب الياء يعني يَضلون بأنفسهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ} يعني الذنوب كلها لا يخلو من هذين الوجهين.
واختلفوا فيها فقال قتادة: سرّه وعلانيته، عطاء: قليله وكثيره. ومجاهد: ما ينوي وما هو عامله. الكلبي: ظاهر الإثم الزنا وباطنه المخالة.
السدي: الزواني الذي في الحوانيت وهو بيت أصحاب الرايات وباطنه الصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرًّا. وقال مرّة الهمذاني: كانت العرب تجوز الزنا وكان الشريف إن يزني يستر ذلك وغيره لا يبالي إذا زنا ومتى زنا فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك: كان أهل الجاهلية يسترون الزنا ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا، فحرم اللّه تعالى لهذه الأمة السرّ منه والعلانية.
وروى حيان عن الكلبي: ظاهر الإثم طواف الرجال بالنهار عراة وباطنه طواف النساء بالليل عراة.
وقال سعيد بن جبير: الظاهر ما حرم اللّه تعالى بقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 22] وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الآية والباطن منه الزنا.
وقال ابن زيد: ظاهر الإثم التعرّي والتجرّد من الثياب في الطواف والباطن الزنا.
{إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ} في الآخرة {بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ} بما يكسبون في الآخرة. اهـ.